الحرب بين روسيا وأوكرانيا وسعي أوروبا الخاطئ إلى أمنها في مجال الطاقة
بقلم: رودي بارودي
لقد كشف تردد أوروبا في استهداف قطاع الطاقة الروسية لمعاقبة موسكو على غزوها لأوكرانيا مدى هشاشة إمدادات الطاقة للقارة، حيث تتطلب أفضل الحلول، فهماً أعمق لكيفية وصول الوضع الأوروبي إلى ما هو عليه اليوم.
التفسير البسيط هو أن ألمانيا والعديد من الدول الأوروبية الأخرى أصبحت تعتمد بشكل مفرط على واردات الغاز الطبيعي الروسي. لكن هذا ليس صحيحاً تماماً، لأن العديد من العوامل الأخرى تزيد من ضعف أوروبا، وبينما يلعب سوء التوقيت دوراً في بعضها، فإن البعض الآخر ينبع من إخفاقات كبيرة على مستوى صناعة القرار الاستراتيجي.
قررت حكومات اوروبية عدة إغلاق محطات الطاقة النووية والفحم في السنوات الأخيرة، الأمر الذي لم يؤد سوى إلى زيادة حاجة أوروبا للطاقة – وبالتالي الاعتماد على – الغاز الروسي. هذا لا يعني أنه لم تكن هناك أسباب مقنعة لهذه القرارات، وأن تزامن فترة ما بعد الاعتماد على الطاقة النووية مع الأزمة الروسية الأوكرانية يعد سوء طالع الى حد ما، ومع ذلك لا يمكن إنكار حقيقة أن التخلي عن هذا الكم الهائل من مولدات الطاقة النووية قد ترك لأوروبا عددًا قليلاً من البدائل العملية والقابلة للتطبيق. لكن المشكلة الحقيقية لم تكن بالإغلاق التدريجي لوحدات التوليد النووية؛ بل الفشل المتمثل في عدم الاستعداد بشكل مناسب للعواقب من خلال تجهيز مصادر طاقة بديلة جديدة كافية، وخاصة مصادر الطاقة المتجددة.
في ألمانيا أيضاً، وإلى جانب سياسة التخلي عن الطاقة النووية نسبياً، تم تأجيل انشاء محطتين جديدتين لاستقبال شحنات الغاز الطبيعي المسال المنقولة بحراً لأكثر من عقد. وهذا يعني أنه، حتى لو تمكنت أوروبا من تأمين ما يكفي من الغاز الطبيعي المسال لاستبدال الغاز الذي يُضخ إليها من روسيا عبر الأنابيب، فإنها تفتقر إلى القدرة الكافية على إعادة تحويل الغاز المسال إلى غاز جاهز للاستهلاك يمكن الاستفادة منه بالكامل.
وفي منحىً مماثل، فإن خط أنابيب نابوكو المقترح – الذي كان سينقل الغاز الأذربيجاني والمصري والعراقي و / أو التركماني من تركيا إلى النمسا – تعرض أيضًا لعراقيل متكررة وإلغاء نهائي في عام 2013، مما زاد من أهمية اعتماد اوروبا على الغاز الروسي وخطوط الأنابيب الروسية.
وبالرغم من ضياع هذه الفرص وغيرها على أوروبا والتي كانت ستؤمن لها المرونة في الاستفادة من مصادر طاقة متعددة من خلال تنويع مصادرها ووسائلها وطرق إمدادها، فإنه لا يزال أمام أوروبا الوقت لتحسين وضعها بشكل كبير، لا سيما على المدى المتوسط والطويل. أحد الخيارات الواعدة هو ربط فرنسا واسبانيا بالجزائر والمغرب بوسائط نقل الغاز بأنابيب تحت البحر مع امكانية كبيرة لإعادة تكرير الغاز المسال الى غاز قابل للاستهلاك، حيث يمكن بعد ذلك توزيع الإمداد بالغاز إلى دول اوروبية أخرى. إلا أن مسائل سياسية وعراقيل مختلفة قد أدت إلى إبطاء هذا الاقتراح أيضًا، لذلك لا يسعنا إلا أن نأمل أن تساعد الأزمة الاوكرانية في تسليط الضوء مجدداً في مدريد وباريس على هذا المقترح.
هناك خطوات أخرى يمكن أن تتخذها أوروبا أيضًا، بعضها مباشر وتتطلب تسهيل التعاون عبر الحدود وتجاوز تطبيق بنود الاتفاقيات التي يمكن أن تستغرق وقتًا طويلاً لتتحقق. يتمثل أحدها في تعزيز قدرة القارة على تحمل حالات انقطاع واردات الغاز من خلال زيادة قدرتها التخزينية، سواء للغاز التقليدي في كهوف الملح تحت الأرض أو للغاز المسال في مستودعات الغاز الطبيعي الجديدة أو الموسعة.
وهناك خطوة ثانية تتمثل في تأجيل الألمان والبلجيكيين وغيرهم إغلاق المحطات النووية المقرر إيقاف تشغيلها. والثالثة هو أن يقوم الهولنديون بتوسيع موانئهم الحالية لاستقبال الغاز الطبيعي المسال، أما الخطوة الرابعة فقد بدأت في الأيام القليلة الماضية حيث استهل الألمان العمل في مرافق الاستيراد الخاصة بهم. وقد تكون الخطوة الخامسة هي العمل فورًا على ربط حقل غاز شرق البحر الأبيض المتوسط عبر خط أنابيب إلى تركيا ومن بعدها إلى أوروبا.
يمكن أيضًا تحسين الوضع من خارج القارة. فقد ضاعفت الولايات المتحدة، على سبيل المثال، صادراتها من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، وينبغي أن تكون قطر – التي أوفت بكل التزام من التزامات التسليم على الرغم من الحصار غير القانوني لمدة عامين ونصف العام الذي فرضه عليها بعض جيرانها – قادرة على زيادة شحناتها أيضًا، الأمر الذي من شأنه أن يعيد الثقة بأسواق التوريد. أما إسبانيا فإلى جانب تلقيها الغاز عبر الأنابيب فهي ايضاً تتزود بالكهرباء المولدة من مزارع الطاقة الشمسية في شمال إفريقيا، بالإضافة الى نطاق شبكات تعاون المشتركة الهائل على امتداد المنطقة الأورو متوسطية.
أخيرًا وبالتأكيد ليس آخرًا، يمكن لأوروبا أن تخدم مصالحها على أفضل وجه – بكل ما للكلمة من معنى – من خلال الموافقة على دعمها المالي لمشاريع النفط والغاز المستقبلية للسنوات القليلة المقبلة، وأن تصبح أكثر جدية بشأن مصادر الطاقة المتجددة. تمتلك دول الأورو متوسط وحدها إمكانات كافية من طاقة الرياح البحرية لتحل محل الصناعة النووية العالمية بأكملها، بالإضافة الى تقنيات أخرى، بما في ذلك الطاقة الشمسية والأمواج والمد والجزر والطاقة الحرارية الأرضية تحت سطح البحر.
كل هذا يجب أن يوفر الاستقلالية عن الغاز الروسي وأن يعبد الطريق نحو السلام وليس الحرب.