ماذا بعد اكتشاف حقل الغاز الجديد في حقل “كاريش” في إسرائيل؟ بارودي: ضرورة وضع لبنان أسس اتفاقات ترسيم حدود بحرية مع قبرص وسوريا
المركزية- يُظهر الاكتشاف الأخير للغاز في حقل “كاريش” الواقع في جنوبي لبنان، بغاية الوضوح أن على لبنان فعل كل ما في وسعه ليمهّد الطريق أمام صناعة النفط والغاز البحرية الخاصة به، وعلى وجه التحديد من خلال تسوية الحدود البحرية مع قبرص وسوريا، وفقًا لأحد أهم الخبراء في المنطقة في مجال الطاقة.
وفي مقابلة عقب إعلان شركة إنرجيان اليونانية – الإسرائيلية عن اكتشاف ثانٍ في حقل “كاريش” المتاخم للمياه اللبنانية، يكشف خبير الطاقة الدولي رودي بارودي الذي يتمتع بخبرة تزيد عن أربعة عقود في مجال الطاقة، أن “هذه الأخبار جيّدة بالنسبة إلى لبنان”.
ويقول بارودي، الذي يشغل حاليًا منصب الرئيس التنفيذي لشركة الطاقة والبيئة القابضة وهي شركة استشارية مستقلة مقرها في الدوحة – قطر، لـ”المركزية”: ليس مستغرباً أنهم وجدوا المزيد، فذلك يؤكد ما كنا نعرفه منذ سنوات عدة. ولم نتمكن من تحديد موقع جميع الموارد الموجودة في قاع بحر شرق المتوسط، بما في ذلك الرواسب النفطية التي تنتظر الاكتشاف قبالة سواحل لبنان. المشكلة أن المأزق السياسي المعقّد الذي يعيشه لبنان قد تسبّب بتأخيرٍ كبير في تطوير قطاع الهيدروكربونات البحرية الناشئ في البلاد”.
ويؤكد أن “الاكتشاف الجديد يقع بالقرب من خط الحدود البحري (MBL) الذي اتفق عليه لبنان وإسرائيل في تشرين الأول/ أكتوبر 2022″، ويوضح أن “هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه بعد وساطة استمرت سنوات من قِبَل الولايات المتحدة، كان “خطوة ضرورية”، لكنه لم يكن كافياً وحده لتنشيط صناعة النفط والغاز في لبنان وتفعيلها بشكل كامل”.
ورداً على سؤال عن كيفية المضي قدماً في بيروت في هذه المرحلة، يشدد بارودي على “أهمية التقدّم في الجهود الرامية إلى وضع اللمسات النهائية على اتفاقات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص وبين لبنان وسوريا، والتي من شأنها أن تحقق اعترافاً دولياً كاملاً بالمنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، وبالتالي تقليل المخاطر التي تواجهها شركات النفط الكبرى التي يحتاج لبنان إلى خبرتها ومساعدتها للتمكن من إجراء عمليات استكشاف واستغلال موارده البحرية بشكل مفيد وكامل”.
ويُضيف: لقد تفاوضنا سابقاً على ترسيم الحدود البحرية مع قبرص، لكن المجلس النيابي اللبناني لم يصادق على الاتفاقية. وهذا يعني أنه يتعيّن علينا أن ننطلق من النقاط المتَّفق عليها في المباحثات السابقة وأن نُضيف إليها بعض الإحداثيات من أجل تحديد نقطة تقاطع ثلاثية حيث تتقاطع خطوط الحدود البحرية اللبنانية والقبرصية والإسرائيلية في البحر. وتحديد هذا المثلث في الجنوب سيبسّط تلقائياً عملية تحديد مثلث آخر في الشمال بين لبنان وقبرص وسوريا.
وفي السياق، يقلل بارودي من شأن المزاعم التي تتحدث عن وجود فجوة كبيرة بين الخط اللبناني – القبرصي والخط القبرصي – الإسرائيلي، مما يزيد من صعوبة تحديد الخط الثلاثي. ويقول: هناك فجوة بالطبع، لكنها في الحقيقة صغيرة جدًا. والدليل على ذلك هو ترسيم حدود المناطق البحرية التي أصدرها كل من لبنان وقبرص منذ حوالي عقد من الزمن. إضافة إلى أن جميع الخرائط الدولية للمنطقة، بما في ذلك تلك الصادرة عن شركات النفط والغاز والتي ترتكز في الأصل على تصوير دقيق للحدود والمساحة، لا تؤشر إلى أي تداخل بين لبنان وقبرص. في الواقع، إن الخط الفاصل بين الكتل اللبنانية والقبرصية يتبع بدقة خط ترسيم الحدود البحرية MBL المتفق عليه والذي وافقت عليه نيقوسيا وبيروت في الاتفاقية التي لم يتم المصادقة عليها. أما الفرق في الجانب الجنوبي من نقطة التقاطع فهو صغير جدًا.
ويُضيف: نظراً إلى أن الخطوط قريبة جداً، فإن تحديد تقاطع ثلاثي – النقطة التي تتقاطع فيها الحدود اللبنانية والقبرصية والإسرائيلية – يجب أن يكون سهلاً نسبياً. بالإضافة إلى ذلك، فإن الاتفاق على هذا التقاطع الثلاثي في الجنوب من شأنه أن يبسّط تلقائياً عملية تحديد تقاطع ثلاثي في الشمال بين لبنان وقبرص وسوريا. من دون أن ننسى أن لبنان يتمتع بعلاقات ودية وقوية مع كل من قبرص وسوريا، وبالتالي فإن المفاوضات معهما ستكون أكثر وديّة من تلك التي جرت مع إسرائيل، والتي كان لا بد من متابعتها بشكل غير مباشر عبر وساطة أميركية.
ولدى سؤاله عن كيفية تأثر أي جهود ديبلوماسية جديدة لترسيم الحدود البحرية، بالشلل السياسي المستمر منذ فترة طويلة في بيروت، حيث يعاني لبنان من شغور في رئاسة الجمهورية منذ أواخر العام 2022 لأن البرلمان اللبناني لم يستطع انتخاب خلف للرئيس السابق ميشال عون، يُجيب بارودي: هذا المأزق يؤكد ضرورة اتخاذ إجراءات جديدة.
ويقول: صحيح أن لبنان لا يستطيع في الوقت الحالي، المصادقة رسميًا على اتفاقية ترسيم حدود بحرية MBL جديدة مع قبرص أو سوريا لأنها تتطلب توقيع رئيس الجمهورية عليها، لكن هذا لا يمنعنا من إجراء المحادثات التقنية اللازمة. في الواقع، يجب أن نسارع إلى تسوية كل هذه الأمور الآن، حتى عندما نملأ المنصب الشاغر في قصر بعبدا، يكون كل شيء جاهزاً لتوقيع الرئيس الجديد.
وإلى جانب تسوية حدوده البحرية، يقول بارودي إن “لبنان لديه أيضًا سبب آخر لتفعيل المفاوضات مع الدول المجاورة”، ويذكر في هذا المجال: مرّ ما يقارب العشر سنوات منذ أن اقترحت قبرص اتفاقية تنمية مع لبنان للإنتاج المشترك من أي مخزونات موجودة على الحدود البحرية المشتركة. وهذا الأمر مهم جداً للبنان وللصناعة النفطية فيه، وللأسف فقد حال الشلل السياسي اللبناني دون حدوث ذلك. بالفعل نحن بحاجة إلى إحياء هذه العملية والتوصل إلى اتفاق في أسرع وقت ممكن.
…”في حال البدء بهذه العملية وبمجرد أن يكون لدينا رئيساً للجمهورية، نكون مستعدين للانطلاق بسرعة من دون مزيد من التأخير، والبدء بجَمع عائدات الغاز التي يحتاج إليها الاقتصاد اللبناني بشدة” يختم بارودي.