يفصل بين الدولتين النهر الكبير شمالاً، وفي حالات مماثلة تحدّد القوانين الدولية منتصف النهر (أو فم النهر المطلّ على البحر) كمركز للحدود الفاصلة بين البلدين. وبالتالي، أعادت الدراسة التي يفندها بارودي لـ”النهار” تحديد نقطة التقاء البرّ بالبحر أو المعروفة بـ (Land Terminus Point) النجمة الصفراء كمنطلق لترسيم الحدود البحرية، وليس السياج التقني الحدودي الفاصل بين لبنان وسوريا (النجمة الزرقاء)، الذي يبعد نحو 40 متراً شمالاً ويقع داخل الأراضي السورية وتحديداً عند المعبر الحدودي من الجهة الشمالية للنهر. بعد ذلك، تنطلق الدراسة من هذه النقطة لتحديد خط الحدود البحري بين لبنان وسوريا، الذي يبلغ طوله نحو 131.4 كلم ويتألف من20 نقطة تحوّل أساسية وصولاً إلى نقطة الإلتقاء الثلاثية trijunction point.
تُعتبر الحدود البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي الأشد تعقيداً، ليس فقط لأن إسرائيل لم توقّع اتفاق الأمم المتحدة لقانون البحار فحسب، بل أيضاً لأن الدولتين في حالة حرب، وهو ما يرتّب اللجوء إلى وساطة دولية لترسيم الحدود الجنوبية اللبنانية، وأخذ الخط الأزرق المرسّم من قبل الأمم المتحدة على البر في الاعتبار. في العام 2007، اعتمد لبنان في مباحثاته مع قبرص على خط “مبهم البداية والنهاية” بحجّة موافقة الطرف الثالث (أي إسرائيل)، ولم تمّ تحديد النقطة المتساوية الأبعاد ما بين قبرص ولبنان وفلسطين المحتلّة (Trijunction point) بشكل دقيق، والتي عُرفت بالنقطة 23. عام 2010، اقتنص العدو الفرصة خلال المفاوضات مع الجانب القبرصي، فثبّت النقطة 23 في مكانها، ما خلق منطقة متنازعا عليها مساحتها نحو 879 كلم2.
منذ ذلك الحين، بدأت الوساطات الدولية لحلّ النزاع، وكُرّس الجانب الأميركي كوسيط مفاوض من خلال نائب وزير الخارجية الأميركي لشؤون الطاقة في حينه فريديريك هوف وخليفته آموس هوكشتاين، فزيارات مكّوكية للسفير ديفيد هيل وصولاً الى مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شنكر، وتمحورت جميعها حول عروض لتقاسم المنطقة بين الدولتين بأشكال مختلفة من دون التوصل إلى حلّ، إلى أن أعلن شنكر أخيراً أن “الكرة في الملعب اللبناني وأن على اللبنانيين أن يتنازلوا عن رفضهم لإطار الاتفاق ويتحرّكوا إلى الأمام”.
تنطلق الدّراسة من إعادة تحديد نقطة التقاء البرّ بالبحر أو المعروفة بـLand Terminus Point، وترتكز على نقطة بداية الخطّ الأزرق على البرّ في أعالي تلّةٍ صخريّة معروفة بـBP.1 وامتدادها في البحر. وتظهر الصورة المرفقة نقطة الالتقاء هذه باعتبارها المنطلق نحو ترسيم الحدود البحرية، في حين أن النقطة التي حدّدتها اسرائيل (النقطة 31 البحرية) تقع على مسافة 38م شمال غرب هذه النقطة داخل الأراضي اللبنانية، بينما النقطة التي يحدّدها لبنان تبعد 62 م عن الـLTP المعتمد في هذه الدراسة. من هنا يؤكد بارودي الدور المهم الذي يمكن أن تلعبه قبرص في تحديد نقطة الالتقاء الثلاثية trijunction point من الجهة المقابلة لحسم خطّ الحدود الفاصل. ولكن باستخدام قواعد الخط ذات الاحداثيات المتساوية (Strict Equidistance geodetic line) التي تعتمد عليها المحاكم الدّولية ونقطة ارتكاز أي وساطة، وكذلك أحدث الصور والخرائط والوسائل التقنية، تمّ تحديد حدود بحرية افتراضية بين البلدين تربط بين الـLTP وامتدادها نحو الحدود البحريّة مع قبرص بطول يبلغ نحو 128.1 كلم وفيه 6 نقاط تحوّل أساسية. بالنتيجة، تقسّم المنطقة المتنازع عليها بين 475 كلم2 (54%) للبنان و400 كلم2 (46%) لإسرائيل، من خلال خط يتوسّط الخطّين الأحاديين المعلنين من الطرفين. وبالتالي، يتبيّن أنّ من حق لبنان بسط سيادته على رقعة أكبر من تلك التي حدّدها خط هوف، أو التي عرضت خلال المفاوضات مع الجانب الأميركي، ويمكنه بالقانون الاستحصال على ما لا يقل عن 55% من المنطقة المتنازع عليها.
من هنا، تبيّن هذه الدراسة الدور الذي يمكن أن تلعبه السلطات اللبنانية من خلال القنوات الديبلوماسية والحوار مع جميع الوسطاء على أساس علمي وعادل، استباقاً لأي شروط قد تفرض خلال المحادثات مع صندوق النقد الدولي.