المركزية- على وقع التحديات الأمنية وتهديداتها، يجهد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون لتحريك الملفات الاقتصادية الاستراتيجية التي من شأنها أن تُنهض البلاد من كبوتها التي أوصلتها إلى حدّ الانهيار… فهو لا يوفّر فرصة وجوده في الخارج، حيث يكثّف من رحلاته الرسمية للهدف المنوَّه عنه، إلا ويتطرّق مع نظرائه العرب والأجانب إلى إمكانات التعاون في سبيل تعزيز العلاقات الاقتصادية والمشاريع الاستثمارية مع لبنان.
وليست مفاوضاته المثمرة التي أجراها مع نظيره القبرصي نيكوس خريستودوليدس خلال زيارته الرسمية الأخيرة إلى نيقوسيا، سوى الدليل الثابت على مساعيه الحثيثة إلى وصل لبنان بالخارج بعد انقطاعٍ دام سنوات لأسباب باتت معروفة علّها “تُذكَر ولا تُعاد”! ومن ثمار تلك الزيارة، الإعلان عن تحقيق تقدّم كبير في الجانب التقني من ملف استكمال المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، والعمل على تحويل النتائج التقنية إلى صيغة سياسية قابلة للتنفيذ، على غرار اتفاق ترسيم الحدود مع إسرائيل الذي أُبرم في تشرين الأول عام 2022 بوساطة أميركية…
لكن هذه الخطوة لم تكن الوحيدة التي خرج بها الرئيسان اللبناني والقبرصي من لقاء نيقوسيا، بل أحدث طرح الرئيس خريستودوليدس مَدّ كابل بحري من الجزيرة لتزويد لبنان بالكهرباء، خرقاً في ملف الطاقة اللبنانية النازف، على رغم أن الطرح يتطلب دراسة جدوى مفصّلة تسبق الحماسة على المضي فيه…
إذ في انتظار وصول وفد تقني قبرصي إلى بيروت في الأيام المقبلة لاستكمال المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، يستعدّ وزير الطاقة والمياه جو الصدّي لزيارة قبرص ولقاء المسؤولين الرسميين والمعنيين بقطاع الطاقة، بهدف متابعة الطرح القبرصي تزويد لبنان بالكهرباء، والاطلاع على حيثيات المشروع وتفاصيله كافة.
بارودي يرحّب.. ويسأل
في غضون ذلك، يثني الخبير الدولي في شؤون الطاقة والعضو في “معهد شبكة القيادة عبر الأطلسي” في واشنطن رودي بارودي على طرح الرئيس القبرصي، ويشدد عبر “المركزية” على “وجوب الترحيب بأي مبادرة من هذا القبيل”، معتبراً أنها “خطوة جيّدة في مسار تأمين الكهرباء للبنانيين وبالتالي توفير الحلول الضرورية لأزمة القطاع المستفحلة طوال عقود”.
ويُشير في السياق، إلى أن “مسافة 160.9 كيلومتراً تفصل بين لبنان وقبرص بما يدل على القرب الجغرافي بين البلدين، وهو عامل مساعد في تنفيذ المشروع. والعامل الآخر الذي يشجّع على البحث في إمكانية الإفادة من هذه المبادرة، أن قبرص لديها محطة إنتاج كهرباء تقع بين لارنكا وليماسول، كما لديها محطة إنتاج Vassilikoss وهي الأكبر على الإطلاق تقع بين ليماسول وبافوس. والجدير ذكره في هذا الإطار، أن الإنتاج الكهربائي لقبرص يعادل 5 آلاف و400 ميغاواط تقريباً، ومن غير المعلوم حتى الآن الكمية التي ستزوّد بها لبنان من مجموع هذا الإنتاج”.
ويخلص إلى التأكيد على “وجوب الترحيب بالمبادرة القبرصية مهما كانت كمية الكهرباء التي ستزوّدنا بها… وإذ نهنّئ الحكومة اللبنانية على مشروع استجرار الطاقة من قبرص، عليها التنبّه إلى كلفة الاستجرار الباهظة لأن قبرص تبيع الكيلوواط الواحد بمبلغ يتراوح بين 35 و40 سنتاً… وهذا رقم يجب التوقف عنده في دراسة الجدوى، مع الإقرار بأهمية المشروع وانعكاساته الإيجابية على لبنان بما يساعد في حل أزمة قطاع الكهرباء المُزمنة”.
“لذلك من الأهمية بمكان إعداد دراسة جدوى اقتصادية، مع التشديد على ضرورة تشجيع أي مبادرة تساعد الشعب اللبناني في تأمين ساعات تغذية إضافية من الكهرباء، ونحن نشدّ على يد الحكومة للمضي في هذه المبادرة… ولنترقب من أي محطة ستزوّدنا قبرص الكهرباء وبأي كمية…وكلفة” يختم بارودي.
وفي الصورة أدناه محطة Vassilikoss للطاقة في قبرص