أدّى شراء الشركة البريطانية للغاز BRITISH GAS حصة كبيرة في حقل أفروديت القبرصي، واكتشاف حقل «زهر» (أكبر حقل غاز في العالم) في مصر أخيراً، قرب نطاق قبرص البحري، الى عودة اهتمام الشركات العالمية بمنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط. هذه التطورات تضع لبنان أمام فرصة جدية قد ترفع من أسعار بلوكاته، وتعيده إلى دائرة الاهتمام مجدداً. ولكن، رغم هذه الاكتشافات، والاثباتات على اختزانه كميات ضخمة من النفط، لا يزال لبنان غائبا عن الساحة الاقليمية، في حين يُفترض أن يكون معنياً بكل ما يحصل من حوله. السؤال المكرر: ماذا سيكون مصير مياه لبنان الاقليمية المتاخمة للبحر الفلسطيني والتي باتت موضع نزاع حدودي مع الكيان الصهيوني؟ وفي حال تحالفت مصر وقبرص واسرائيل بغية تصدير الغاز الى أوروبا، هل يكون لبنان خارج الخريطة الاقليمية لتصدير منتجاته النفطية؟
في وقت تتسابق الدول الاقليمية على البدء في عمليات التنقيب عن النفط، ورغم الدراسات التي تؤكد وجود كميات واعدة من النفط والغاز ضمن الحدود اللبنانية، لم يتم حتى الآن البناء على هذه الداتا، ووضع منهجية واضحة لاستثمارها. فيما يعمل العدو الاسرائيلي بحراً وبراً لاختصار المراحل واستخراج موارده البترولية، ولا يضيّع فرصة لاغتصاب الثروات اللبنانية.
تبلغ مساحة الاقتطاع الاسرائيلي من البحر اللبناني 860 كلم مربعاً تغطي مكامن واعدة من البترول والغاز. وبحسب بعض الخبراء، اعتمد اللبنانيون لدى ترسيم الحدود البحرية طريقة الـ «جي بي أس»، فيما اعتمد الإسرائيليون لأخذ الإحداثيات على الأقمار الاصطناعية. ولو حصلت عملية الترسيم بالطريقة الدقيقة التي اعتمدها لبنان وليس بحسب تلك التي اعتمدتها اسرائيل، لكانت البلوكات 8 و9 و10 كاملة ضمن الحدود اللبنانية، ولما تمكنت اسرائيل بالتالي من اغتصاب جزء كبير منها.
هذا الخطأ، بحسب خبراء نفطيين، يتحمل مسؤوليته الجانب اللبناني عندما وافق قبل أعوام على طريقة ترسيم الحدود البحرية. وبرغم محاولة السلطات اللبنانية تصحيح هذا الخطأ وتقديم وثائق للأمم المتحدة، الا ان اسرائيل رفضت متذرعة بالاتفاق الموقّع مع قبرص لترسيم الحدود. وبحسب الخبراء أنفسهم، من الضروري الإسراع في اتخاذ كل التدابير اللازمة لمنع اسرائيل من سرقة البترول والغاز من المنطقة الاقتصادية الخالصة العائدة للبنان، والقيام بالاجراءات القانونية لبت الاتفاقية مع قبرص، إما بإبرامها أو بإلغائها، والحرص بالتالي على عدم تعريض حقول النفط العائدة للبنان الى خطر السرقة من الجانب الاسرائيلي. كما ينبغي على الحكومة اتخاذ التدابير والاجراءات اللازمة لاستعادة الحدود البحرية الجنوبية المعلنة.
لبنان لا يزال سباقا
يؤكد المدير التنفيذي لشركة Petroserv زياد عبس أنه «رغم التأخير في اقرار المرسومين، لا يزال لبنان سابقاً لكل دول حوض المتوسط على صعيد الابحاث. التأخير أعطانا وقتاً اضافياً للتعمق في الدراسات، ولبنان انتهى من المسح البري، ويدرك أن لديه أجود أنواع الغاز وبكميات كبيرة في البحر. ما حصل في مصر، إلى جانب تطورات قبرص، يؤكد وقوع لبنان ضمن منطقة غنية بالنفط والغاز، ما أدى إلى رفع أسعار بلوكاته البحريّة، وأعاد اهتمام الشركات بعدما أبعدها تأخير المراسيم والظروف الامنية والسياسية غير المستقرة». وأوضح أن الدول المحيطة بالحوض «تقوم بتحسين قوانينها الضرائبية والمالية ناهيك عن أمورها اللوجستية، ما يجعل الشركات أكثر اهتماماً بالاستثمار لديها نظراً الى ظروفها المستقرة. وإذا أراد لبنان استعادة اهتمام الشركات سيكون عليه الاستعجال في إصدار المراسيم. فهذا هو الوقت المناسب لمتابعة الاعمال التحضيرية والاستفادة من الثروات المرتقبة لدينا بشكل صحيح».
ودعا عبس الى اقرار المرسومين «في أسرع وقت ممكن، والبدء باعطاء التراخيص للشركات لا سيما في ظل امكانية مساهمة شركات عالمية في عمليات التنقيب والإنتاج من حقلي «كاريش» و»تانين» القريبين من البلوكات 8 و9 في المياه اللبنانية، ما يزيد من امكانية سرقة اسرائيل للغاز اللبناني من خلال الحفر أفقيا تحت مياه المتوسط. تضاف الى ذلك المفاوضات الجارية بين إسرائيل وبعض الشركات الاوروبية لنقل الغاز الإسرائيلي والقبرصي والمصري الى اوروبا. لذا ان لم نبدأ في استخراج مواردنا في أسرع وقت، فستكون معرضة لخطرين: الاول السرقة والثاني هو خسارة قيمتها، اذ سنخسر زبوننا الاساسي أوروبا. ويكمن الحل الامثل في اعادة ترسيم الحدود البحرية في المنطقة الجنوبية، عندها يمكن تقسيم البلوكات 8و9 الى قسمين وتلزيم القسم الجنوبي منها بالتراضي بما يضمن حق لبنان بالحفاظ على ثرواته ويحد من امكانية اقتناصها من الجانب الاسرائيلي.»
وبحسب ادارة معلومات الطاقة (Energy Information Administration (EIA، فان الحوض المشرقي الممتد من سوريا مروراً بلبنان وقبرص واسرائيل، وصولا الى مصر، يحتوي على 122 تريليون قدم مكعب من المواد النفطية.وقد تم مؤخراً اكتشاف حوالي 30 تريليون قدم مكعب في مصر، فيما لم يُكتشف في قبرص حتى الآن سوى 5 تريليونات.من هنا يتوقع الخبراء ان تحتوي المياه اللبنانية على أكثرية المكامن النفطية المتبقية، والموزعة بطريقة عشوائية.
السرقة مستحيلة؟
من جهته، يؤكد الخبير النفطي رودي بارودي «ان سرقة النفط على عمق 2400 متر أمر صعب جدا، ومن المستحيل ان توافق شركات عالمية بحجم نوبل وايني وتوتال وغيرها على اغتصاب مخزون دولة أخرى. كما أن ليس من مصلحة اسرائيل افتعال المشاكل في هذا الوقت تحديداً، اذ ان هدف هذه الشركات الاستفادة من الثروة النفطية، كما أنه ليس سهلاً التنقيب بطريقة افقية لمساحة تتخطى كيلومترين». وأضاف: «لدينا قطاع واعد، اذا استُثمر بطريقة سليمة بعيداً عن المناكفات السياسية والسمسرات، سيغير وجه لبنان. لذا علينا التحرك والبت في الموضوع سريعاً لأن لبنان في صلب خارطة الحوض المشرقي ويملك امكانيات كبيرة. أما بالنسبة الى ترسيم الحدود والمنطقة المتنازع عليها، فلا يمكن حلها الا بعد اقرار المرسومين العالقين في مجلس الوزراء، ومن ثم التفاوض مع الامم المتحدة والولايات المتحدة، بما انها الوسيط الابرز لتصحيح عملية ترسيم الحدود مع اسرائيل».
وقد شارفت المفاوضات بين لبنان وقبرص لوضع نموذج اتفاق unitization للغاز بين البلدين على الانتهاء. وهذا من شأنه ان يؤدي الى تحديد شروط الاحتياطي المشترك والعائدات المحتملة بين لبنان وقبرص التي تشكل مركزا مهما في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط بفضل موقعها الجغرافي، وكونها عضوا في الاتحاد الاوروبي. فهل تستفيق الحكومة قبل فوات الاوان أم أن لبنان، وكالعادة، سيصل الى الحفل متأخرا؟