اعتبر إقرار مجلس الوزراء المرسومين المتعلقين بتقسيم المياه البحرية الخاضعة للولاية القضائية للدولة اللبنانية الى مناطق على شكل رقع، ودفتر الشروط الخاص بدورات التراخيص في المياه البحرية ونموذج اتفاق الاستكشاف والانتاج، الانجاز الاول للحكومة اللبنانية. ويشكل إقرار هذين المرسومين عملاً تنفيذياً لا بد منه تمهيداً لإطلاق الاجراءات الآيلة الى بدء عملية الاستكشاف والانتاج.
تزامنت عملية إقرار هذين المرسومين مع العديد من التحاليل والتقارير التي تحدثت عن المراحل التالية وكيفية تعامل الجهات الرسمية والادارية اللبنانية مع هذا القطاع الحديث الولادة. وفي هذا السياق، يعتبر الخبير في شؤون النفط والغاز رودي بارودي أنه قبل استخراج النفط والغاز واستفادة الشعب اللبناني من عائداتهما، لا بد من اتخاذ الإجراءات التصحيحية لوضع قطاع الطاقة في لبنان، لا سيما تنفيذ القوانين الصادرة وإجراء التعيينات للهيئات والمجالس الإدارية وإيجاد الشركات الوطنية التي تعنى بشؤون النفط والكهرباء وغيرهما، حتى لا يرمى إنتاج النفط في سلة مهترئة من الهدر والمحاصصة.
فالقانون 462/2002 الخاص بتنظيم قطاع الكهرباء أصبح بالتعريف قانوناً نافذاً وغير منفّذ حتى تاريخه إذ لم تنشأ الهيئة الوطنية لتنظيم قطاع الكهرباء ولم يصدر مرسوم تأليف إدارة الهيئة، بل استعيض عن ذلك بتعديل القانون 462/2002 وبطريقة مؤقتة ولمرتين متتاليتين، الاولى بالقانون 775/2006 والثانية بالقانون 288/2014 بهدف ايلاء صلاحية الهيئة الى مجلس الوزراء بصورة مؤقتة لحين تعيين أعضاء الهيئة واضطلاعها بمهماتها. ومن هنا عبّر بارودي عن إستغرابه لهذا الأمر، إذ أصبح تعديل القانون في مجلس النواب أسهل من تعيين خمسة اعضاء لهيئة بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء (15 سنة) من تاريخ نفاذ القانون حتى بداية سنة 2017. أما القانون 181/2011 فقد استدعى حضور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى مجلس النواب، عندما كان نائباً، طلباً لإقراره، مما يشير الى الاهمية القصوى التي كان يعطيها لإقراره. ويضيف بارودي: “تنفيذ القانون 181/2011 جاء متعثراً ومنقوصاً، فالمشاريع الكهربائية التي تضمّنها لُزِمت في معظمها او هي قيد التلزيم إلا ان النتائج المرجوة لم تحرز لا في المواعيد التي حددت لها، ولا كهرباء 24/24 في عام 2015، واللبنانيون ما زالوا يعانون من التقنين القاسي ومن تعدد الفواتير والتكاليف المضاعفة لتوفير الكهرباء”. كذلك لم يعيّن مجلس إدارة لمؤسسة كهرباء لبنان خلال مهلة أقصاها شهران، من تاريخ صدور القانون في 5/10/2011 كما نصّت الفقرة 9 من القانون، واستمر الأمر كذلك حتى تاريخه. ويشير بارودي الى عدم إتخاذ الاجراءات اللازمة لفصل قطاعات الإنتاج والنقل والتوزيع في “مؤسسة كهرباء لبنان” حتى يمكن مشاركة القطاع الخاص في تحمل أعباء جزء أو كل من قطاعي الإنتاج والتوزيع، بالاضافة الى عدم العمل على إنشاء شركات مخصخصة وفقاً لأحكام القانون 462/2002.
وتبقى تعرفة بيع الطاقة للعموم هي ذاتها منذ العام 1994 وهي متدنية كثيراً عن الكلفة رغم المحاولات المتكررة للزيادة والتي كانت تعطّل من السياسيين وتدخلهم الدائم في الإدارة، اضافة الى الهدر الفني المقدر بـ 15% من الطاقة المنتجة مع وجود هدر غير فني تُقدره “كهرباء لبنان” بـ23,5% وهو في الواقع أكثر من ذلك بكثير بحسب بارودي نتيجة التعديات المتزايدة على الشبكة وعدم قدرة المؤسسة على قمعها كلياً. وبالحديث عن رفع حجم الانتاج، يشير الى انه وبسبب المناكفات السياسية لم تتمكن الدولة من إضافة ميغاواط واحد على الشبكة رغم تبدل العهود والمسؤولين عن إدارة القطاع والمحاولات المستمرة والتي باءت جميعها بالفشل مع إستمرار مشكلات الصيانة وتشغيل معامل الانتاج والشبكات ومحطات التحويل، مؤكداً ان المؤسسة تتعامل مع هذا الموضوع بالقطعة وليس ضمن خطة متكاملة العناصر والأهداف.
انطلاقاً من هذا الواقع، يعتبر بارودي ان الدخول في تجربة التنقيب وانتاج النفط والغاز قد يشكل صدمة سلبية على الحكومة والدولة اللبنانية ما لم يتزامن مع استمرار التوافق السياسي حيال هذا الموضوع، على ان يتم العمل بشفافية مع وجود قضاء مستقل وفاعل وإحياء دور أجهزة الرقابة والمحاسبة لمنع الفساد في مختلف أجهزة الدولة، لا سيما قطاع الطاقة، الذي تبنى عليه آمال ووعود. ويقول: “إذا لم يجر إصلاح قطاع الكهرباء وتأهيله ليصبح جاهزاً للاستفادة من الكميات المرتقب إنتاجها من الغاز والنفط، نصبح كمن يضع ثروتنا الوطنية في سلّة لا قعر لها، وخصوصاً إذا لم يتم توسيع صلاحيات هيئة إدارة قطاع البترول من هيئة استشارية الى هيئة فاعلة وقادرة على إدارة القطاع بخبرة وشفافية ومسؤولية وطنية، لتحقيق المصلحة العامة وليس تسهيل عملية المحاصصة وتوزيع الناتج على جيوب وحسابات بعض النافذين”.
وتبقى الانظار ايضاً نحو أهمية تطبيق أحكام المادة 6 فقرة 2 من القانون رقم 132/2010 الخاص بالموارد البترولية في المياه البحرية والتي تنصّ على مشاركة الدولة من طريق انشاء شركة بترول وطنية، والتي لم تنشأ حتى تاريخه، مع اقتراح الاستفادة من خبرة وتجربة اعضاء هيئة إدارة قطاع البترول الحاليين في انشاء وتسيير أعمال شركة بترول وطنية، بالاضافة الى انشاء الصندوق السيادي الذي سيتولى إدارة الأموال الناتجة من إنتاج النفط والغاز بشكل شفاف ومدروس.
أما عن الضجة الإعلامية التي تدور حول موضوع النفط من طريق التشكيك في الشركات العالمية المدعوة للمشاركة في المناقصات، أو عبر إطلاق التوزيعات الطائفية والمذهبية للبلوكات المعروضة للمناقصات، فيعتبر بارودي أن الشركات المدعوة للمناقصات هي شركات دولية يحكمها قانون صارم يمنع عليها الدخول في السمسرات أو دفع الرشاوى وتخضع لرقابة دولية صارمة وتتعرض للعقوبات الشديدة من المؤسسات الدولية في حال ارتكابها أي من هذه المخالفات.